أنا وصديقي والكتابة

   أتساءل دوماً لماذا أكتب؟ ما السر الذي أجده في الكتابة دون غيرها؟ لِمَ أُيمّم شطرها وقتما أشعر بأعراض اختناق؟ أحس أنها نافذة تطلّ على دنيا أخرى، دنياي على وجه الخصوص، جنتي الخاصة، بنات قلبي وأفكاري، قصصي القصيرة والأخرى الطويلة ذات النهايات المفتوحة، وذاك الوجه المليح الذي ما تفتأ أنامل قلبي تتحسس صورته المؤطَّرة في فردوس ذاكرتي، صوته البراق الذي تمكنت من الاحتفاظ بموجته الأخيرة في أذني وكأنها آخر قطرة ماء في صحراء السنيّ العجاف، المروج التي قطعناها وأطواق الزهر تلك التي زيّن بها جيدي، أظن أن لنافذتي كوناً يصعب وصفه!

في أوج حزني وانكساري تلمع كالنجمة مذكّرة إياي أنه ثمة عالم جميل لا يضايقني فيه أحد، وأن هناك صديق ينتظرني على الدوام متحمساً لقراءة آخر نصوصي أو سماع أغنياتي التي يحبّ، هناك صديق لا ينفكّ يرسم البسمة على ثغري، إنه أشبه باليد الحانية المتأهبة دائماً لِلَمّ شتاتي وجمع أشلاء قلبي، أو هو كأغاني الطفولة بكل ما تحمله الأغنية من ذكريات وحنين، إذاً لماذا أكتب؟ ألأنه يحبّ الكتابة؟ لكني عرفتها قبله! ربما لأنها دلتني إليه؟ إلى دنيا الشمس وحلوى الغيم؟ لأنها تجعلني أتنفس جيداً وكأني أراها تنظم أنفاسي المضطربة وتهدي كلاًّ منها زهرة!

ثم إن الكتابة نعيم لا يناله الكاتب وحده فلها ريح طيبة تمتد إلى كل قلب قارئ فتهبه غيمة ومطر، ألسنا نشعر بحلاوة النصوص تهمي على قلوبنا قبل ألسنتنا؟! إن لها سحر عجيب لا يبطله منتصف ليل ولا دقات جرس الثانية عشرة! وعندما أكتب فلا يمكنني الكفّ عن الرقص والبكاء وترديد الأغاني في بعض الأحيان! فرُبَّ أغنية أنجبت نصًّا وقصيدة، ورُبَّ نصّ رفع بالحبّ قلباً! فأنعِم بالكتابة متنفساً ورفيقاً.

أخبرني صديقي ذات ليلة -بينما نحن مستلقيان على العشب نرنو إلى النجوم- أن الكتابة قلب وحزن وخيال، فإذا ما اجتمع الإخوة فهنيئاً للكاتب قطع السكاكر! وأن الأغنية حسّ وكلمة ولحن فإذا ما وُجد القلب الرهيف فأهلاً بالشجن وصخب الحنين.

عندما أتأمل صديقي أشعر أنّ له عمراً آخر، أن هناك عدد سنين سقطت من حساب العادّين، أرى في عينيه السوداوين دهاليز طويلة تنتهي بنقطة ضوء، أسمع في صوته خرير ماء زلال وأغنيات جُبِل على هواها جَناني، وله كفّ كلِفت بقلم ذهبي عتيق وبسمة هادئة كالغيث البارد في القيظ.

أهداني يوماً غيمة فضفاضة، طوق زَهر، قرطين لؤلئيين وقبلة، ثم غاب! وها أنا أطل على فردوسي من النافذة ذاتها؛ واقفة على عتبة الأحلام أقطف أحرفاً وأنتظر.

أضف تعليق